سجلات من ضياء، وصفحات نُسجت بلحن البر و العطاء، وكُتبت بمداد التقرب من رب الأرض والسماء، والسير على هدي المصطفى الأمين صلى الله عليه وسلم، تلك الصفحات قرأتهـــــا بين دفتي سِيرتك العَبِقة أختي على طريق الدعوة، بل إنني أرى فيكِ امتداداً للقمم الشوامخ اللواتي بذلنَ أوقاتهن، وأموالهن، وجهدهن؛ في الدعوة إلى الله تعالى، وإشاعة الطُّمأنينة في البلاد، وطهارة الأعراض، وصيانة المجتمع من الفساد.
إذا عدّد الفارغون أعمالهم المسطَّرة نهاية كل عام، وتبجح المبطلون بإنتاجهم المؤجّج بنار المعصية والسقام، فهنيئاً لكِ حصاد الحسنات، والرقي في درجات مرضاة رب العالمين. إنَّكِ تاج على الرؤوس، تحملين الدعوة في جنانك ووجدانك، في حلك وترحالك، في صبحك ومسائك، فأنت حفيدة خديجة وأسماء، وعاتكة والخنساء، قرآنٌ يمشي على الأرض، أنفاسك ذكر، وخطواتك ذكر، وتعاملاتك ذكر، فعلك يسبق قولك، ودموعك الصادقة تسبق عباراتك، وخوفك وخشيتك من الله يتربَّع في سويداء قلبك.
أرأيتِ أختي الداعية المباركة الكريمة كيف أنتِ! وكيف يراكِ الآخرون! وقبل هذا وذاك كيف أن الله -جلَّ شأنه- أثنى على من سار في ركب الدعوة، بل وجعلهم في منزلة عالية، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ).[فصلت:33]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله -عز و جل- و ملائكته و أهل السماوات و الأرض حتى النملة في جحرها و حتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".[صححه الألباني رحمه الله/ صحيح الجامع:4213].
ومن هنا ائذني ليَ أن أضع بين يديكِ هذه الهمسات، تواصلاً معكِ على طريق الدعوة، وتعاوناً على البر والتقوى.
الأولى: قال تعالى: (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا).[آل عمران:103]، ثم قال في آية بعدها: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)، أي: كما عرفتم النعيم والكمال بعد الشقاء والشناعة، فالأحرى بكم أن تسعوا بكل عزم إلى انتشال غيركم من سوء ما هو فيه إلى حسنى ما أنتم عليه.(التحرير والتنوير:3/178).
الدعوة إلى الله تعالى، واجبة على النساء، كما هو الحال في الرجال، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر). [آل عمران:104]. ويتأكَّد الحال فيكِ أختي الكريمة وأنت ترين بُنَيَّاتِ جنسك، قد احتوشتهم شياطين الإنس، في عالم مليء بالمخالفات والانحرافات والفتن، يرمقونك بأبصارهم، يرجون منك بلسانِ حالهم أو مقالهم، التفاتة مُشْفِقَ، أو كفَّ ناصح، أو كلمة توجيهية. إن دوركِ هنا في مجتمعات النساء أكثر تأثيراً، وإقناعك لهنَّ أشد وقعاً، وتواصلكِ أوسع انفتاحاً، كما أنكِ أدرى بمشكلاتهن.
التفتي يميناً أو شمالاً، تَحَرَّكي بمشاعرَ رَيَّانة، ونفسٍ مؤمنة صادقة، ولسان كالشهد رِقَّة وعذوبة. قابليهنَّ برحابة صدرك، وإن قابلنك بضيق صدورهن، وتذكري أن: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ".[البخاري]، وأننا لن نَسَع الناس إلاّ ببسط الوجه وحسن الخلق وامتثال الأمر، يقول الرافعي -رحمه الله-: "لو قام الناس عشر سنين يتناظرون في معاني الفضائل ووسائلها، ووضعوا في ذلك مائة كتاب، ثم رأوا رجلاً فاضلاً بأصدق معاني الفضيلة وخالطوه وصحبوه لكان الرجل وحده أكبر فائدة من تلك المناظرة، وأجدى على الناس منها، وأدل على الفضيلة من مائة كتاب ومن ألف كتاب".
الثانية: إنَّ من أسباب ثباتك على هذا الطريق، ونجاح دعوتك، واستفادة الأخريات منك، ألا تُكَرِّري نفسك عند المجتمع المحيط بك. إنَّ حصيلتك العلمية و المهارية تحتاج إلى تغذية وعناية. اقرئي كثيراً في كتب أهل العلم من السلف والخلف، واستمعي للعلماء والدعاة المعتبرين المؤثرين. طالعي الكتب الإيمانية والتربوية، والتحقي بشيء من الدورات المتخصِّصة التي تُعنى بوسائل الدعوة، والاتصال الفعال، وتطوير المهارات الذاتية، وادرسي الحلول المقترحة لعلاج مشكلات الفتيات.
اقرئي؛ فأنتِ في حاجة للقراءة في ميدان دعوتك، وهي فَنٌ يعينك على سبر أغوار الكتب، والاستفادة من محتوياتها، وبها تتمكنين من إبداء الرأي المناسب في الوقت المناسب، فترين الأمور حولك ببصيرة نافذة، وتُشبعين من حولك دِلالة وهدياً، وقد قيل قديماً: "الكتب غذاء النفوس"، وقال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه". [مدارج السالكين].
الثالثة: لا تقذفي بنفسك في حوض سباحة وأنت لا تحسنين العوم؛ فمع التأكيد على الدعوة وأهميتها، ينبغي ملاحظة أهمية تحصين نفسك من الشبهات أو الشهوات التي قد تعترضك في طريق الدعوة، فإنه قد تكون المدعوَّة أقوى حُجَّة وبياناً من الداعية فتثير لديها الشبُهات، أو قد تأخذها إلى أماكن الشهوات، فتؤثر عليها قبل أن تتأثر هي. ومن هنا ينبغي عليك -أختي الداعية- أن تُحَصِّني نفسك بعلم تَتَّقين به الشبهات، وإيمان تَتَّقين به الشهوات، وأخوات مؤمنات يساعدنكِ على هذا وذاك؛ فأنتِ القلعة المنيعة الحصينة، التي تستعصي على كل مهاجم، وتصعب على كل مستهتر، فليس لأعداء الجن والإنس إليك سبيل.
الرابعة: لستِ أنتِ الشمعة التي تَحرق نفسها لتضيء الطريق للآخرين، ولم يكن هذا هدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا هدي سلفنا الصالح، وإنَّما أنتِ سراج يُضيء الدروب للأخريات، أنتِ شمس ساطعة تضيء لنفسها وتضيء للآخرين، فإنَّكِ متى أحرقتِ نفسك، لن تكوني قادرة بعدها على الإضاءة، سيخبو نورك، ويتلاشى أثرك، وتكونين في حاجة بعدها لمن يدلك على الطريق.
ليكن شعارك: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا).[فصلت:33]، لاحظي الدعوة مقرونة بعمل، إتباع القول بالعمل، تحقيق القدوة الصالحة في التزامك، وسمتك، وقولك، وفعالك، وتربيتك، وتعاملك مع من حولك، وأن يكون ذلك على أُسسٍ قويمةٍ من التقوى والصلاح والأخلاق الحسنة. وإلاّ-وهنا الخطورة- فمن يُعَلِّم الناس الخير ولا يعمل به، فسيكون كالأرض الصلبة التي أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، لكن هي ما انتفعت، فهي كالشمعة تحرق نفسها لتضيء للناس.
الخامسة: (الأقربون أولى بالمعروف)، مقولة مشهورة، وإن كانت ليست بحديث، إلاّ أنها مشهورة على كل لسان، ويصدِّقها قول الله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، أين معناها في واقع دعوتك؟! إنَّ أهل بيتك وقرابتك في حاجة إلى دعوتك، وهم معينك الأول على الثبات على الحق، وهم أولى بالخير الذي تحملين، والنصح الذي تبذرين، وليس من اللائق بك أن تروي ظمأ الأخريات، وتشبعي جائعهم، وترسمي السرور على محياهم، وأقرب الناس إليك، يشتكون جوعاً وظمأ وحزناً.
إذا كان ذو القربى لديكَ مبعداً ونال الذي يهوى لديكَ بعيدُ
تفرّقَ عنكَ الأقربون لشأنهم وأشفقْتَ أن تبقى وأنت وحيدُ
وأصبحتَ بين الحمد والذم واقفاً فيا ليتَ شعري أيَّ ذاك تريدُ
إن المجتمع يتألَف من أسرنا، فإن أصلح كل منا بيته، أشرق المجتمع سعادة وهناءً، اجعلي لأخواتك، ووالديك، وأولادك، ومن هم حولك، جزءاً من وقتك، ابذري غِراس الإيمان فيهم، أقيمي بين الفينة والأخرى برنامجاً دعوياً متخصِّصاً، أكِّدي فيهم مراقبة الله تعالى، واستشعار عظمته سبحانه، والعيش في ظلال القرآن الكريم.
ذكِّريهم بالواجبات، وشجِعيهم على المسنونات والمستحبات، وتألَّفي قلوبهم بما يحبون من صِلة وهدية وابتسامة وتعاون وكلمة طيبة.
الأخيرة: إنَّكِ لن تستطيعي النجاح في مسارك هذا إلاّ بصدق الإيمان بالله، وجميل التوكل عليه سبحانه، وتفويض الأمر إليه تعالى، واعلمي أن من أسلحتك؛ المحافظة على الأذكار، وكثرة الدعاء، والقيام بالفرائض والسنن الرواتب، فما دُمت قريبة من الله، فالله ناصرك ومعينك وهاديك لكل خير، وفاتح لك أبواب فضله ورحمته وتوفيقه، بل وسوف تشعرين بانشراح في نفسك، وطُمأنينة في قلبك، ومحبة يكتبها الله لك في قلوب عباده.
فليرضَ عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعدْ أسعى لغيرِ رضاكْ
ذقتُ الهوى مراً ولم أذقِ الهوى يا ربّ حلواً قبل أن أهواكْ
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وشهدت شيخ الإسلام -قدس الله روحه- إذا أعيته المسائل، واستعصت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه".
إذا عدّد الفارغون أعمالهم المسطَّرة نهاية كل عام، وتبجح المبطلون بإنتاجهم المؤجّج بنار المعصية والسقام، فهنيئاً لكِ حصاد الحسنات، والرقي في درجات مرضاة رب العالمين. إنَّكِ تاج على الرؤوس، تحملين الدعوة في جنانك ووجدانك، في حلك وترحالك، في صبحك ومسائك، فأنت حفيدة خديجة وأسماء، وعاتكة والخنساء، قرآنٌ يمشي على الأرض، أنفاسك ذكر، وخطواتك ذكر، وتعاملاتك ذكر، فعلك يسبق قولك، ودموعك الصادقة تسبق عباراتك، وخوفك وخشيتك من الله يتربَّع في سويداء قلبك.
أرأيتِ أختي الداعية المباركة الكريمة كيف أنتِ! وكيف يراكِ الآخرون! وقبل هذا وذاك كيف أن الله -جلَّ شأنه- أثنى على من سار في ركب الدعوة، بل وجعلهم في منزلة عالية، (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ).[فصلت:33]. وقوله صلى الله عليه وسلم: "إن الله -عز و جل- و ملائكته و أهل السماوات و الأرض حتى النملة في جحرها و حتى الحوت ليصلون على معلم الناس الخير".[صححه الألباني رحمه الله/ صحيح الجامع:4213].
ومن هنا ائذني ليَ أن أضع بين يديكِ هذه الهمسات، تواصلاً معكِ على طريق الدعوة، وتعاوناً على البر والتقوى.
الأولى: قال تعالى: (وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا).[آل عمران:103]، ثم قال في آية بعدها: (وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ)، أي: كما عرفتم النعيم والكمال بعد الشقاء والشناعة، فالأحرى بكم أن تسعوا بكل عزم إلى انتشال غيركم من سوء ما هو فيه إلى حسنى ما أنتم عليه.(التحرير والتنوير:3/178).
الدعوة إلى الله تعالى، واجبة على النساء، كما هو الحال في الرجال، قال تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر). [آل عمران:104]. ويتأكَّد الحال فيكِ أختي الكريمة وأنت ترين بُنَيَّاتِ جنسك، قد احتوشتهم شياطين الإنس، في عالم مليء بالمخالفات والانحرافات والفتن، يرمقونك بأبصارهم، يرجون منك بلسانِ حالهم أو مقالهم، التفاتة مُشْفِقَ، أو كفَّ ناصح، أو كلمة توجيهية. إن دوركِ هنا في مجتمعات النساء أكثر تأثيراً، وإقناعك لهنَّ أشد وقعاً، وتواصلكِ أوسع انفتاحاً، كما أنكِ أدرى بمشكلاتهن.
التفتي يميناً أو شمالاً، تَحَرَّكي بمشاعرَ رَيَّانة، ونفسٍ مؤمنة صادقة، ولسان كالشهد رِقَّة وعذوبة. قابليهنَّ برحابة صدرك، وإن قابلنك بضيق صدورهن، وتذكري أن: "الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ صَدَقَةٌ".[البخاري]، وأننا لن نَسَع الناس إلاّ ببسط الوجه وحسن الخلق وامتثال الأمر، يقول الرافعي -رحمه الله-: "لو قام الناس عشر سنين يتناظرون في معاني الفضائل ووسائلها، ووضعوا في ذلك مائة كتاب، ثم رأوا رجلاً فاضلاً بأصدق معاني الفضيلة وخالطوه وصحبوه لكان الرجل وحده أكبر فائدة من تلك المناظرة، وأجدى على الناس منها، وأدل على الفضيلة من مائة كتاب ومن ألف كتاب".
الثانية: إنَّ من أسباب ثباتك على هذا الطريق، ونجاح دعوتك، واستفادة الأخريات منك، ألا تُكَرِّري نفسك عند المجتمع المحيط بك. إنَّ حصيلتك العلمية و المهارية تحتاج إلى تغذية وعناية. اقرئي كثيراً في كتب أهل العلم من السلف والخلف، واستمعي للعلماء والدعاة المعتبرين المؤثرين. طالعي الكتب الإيمانية والتربوية، والتحقي بشيء من الدورات المتخصِّصة التي تُعنى بوسائل الدعوة، والاتصال الفعال، وتطوير المهارات الذاتية، وادرسي الحلول المقترحة لعلاج مشكلات الفتيات.
اقرئي؛ فأنتِ في حاجة للقراءة في ميدان دعوتك، وهي فَنٌ يعينك على سبر أغوار الكتب، والاستفادة من محتوياتها، وبها تتمكنين من إبداء الرأي المناسب في الوقت المناسب، فترين الأمور حولك ببصيرة نافذة، وتُشبعين من حولك دِلالة وهدياً، وقد قيل قديماً: "الكتب غذاء النفوس"، وقال الإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: "الناس إلى العلم أحوج منهم إلى الطعام والشراب؛ لأن الرجل يحتاج إلى الطعام والشراب في اليوم مرة أو مرتين، وحاجته إلى العلم بعدد أنفاسه". [مدارج السالكين].
الثالثة: لا تقذفي بنفسك في حوض سباحة وأنت لا تحسنين العوم؛ فمع التأكيد على الدعوة وأهميتها، ينبغي ملاحظة أهمية تحصين نفسك من الشبهات أو الشهوات التي قد تعترضك في طريق الدعوة، فإنه قد تكون المدعوَّة أقوى حُجَّة وبياناً من الداعية فتثير لديها الشبُهات، أو قد تأخذها إلى أماكن الشهوات، فتؤثر عليها قبل أن تتأثر هي. ومن هنا ينبغي عليك -أختي الداعية- أن تُحَصِّني نفسك بعلم تَتَّقين به الشبهات، وإيمان تَتَّقين به الشهوات، وأخوات مؤمنات يساعدنكِ على هذا وذاك؛ فأنتِ القلعة المنيعة الحصينة، التي تستعصي على كل مهاجم، وتصعب على كل مستهتر، فليس لأعداء الجن والإنس إليك سبيل.
الرابعة: لستِ أنتِ الشمعة التي تَحرق نفسها لتضيء الطريق للآخرين، ولم يكن هذا هدي نبينا الكريم صلى الله عليه وسلم، ولا هدي سلفنا الصالح، وإنَّما أنتِ سراج يُضيء الدروب للأخريات، أنتِ شمس ساطعة تضيء لنفسها وتضيء للآخرين، فإنَّكِ متى أحرقتِ نفسك، لن تكوني قادرة بعدها على الإضاءة، سيخبو نورك، ويتلاشى أثرك، وتكونين في حاجة بعدها لمن يدلك على الطريق.
ليكن شعارك: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا).[فصلت:33]، لاحظي الدعوة مقرونة بعمل، إتباع القول بالعمل، تحقيق القدوة الصالحة في التزامك، وسمتك، وقولك، وفعالك، وتربيتك، وتعاملك مع من حولك، وأن يكون ذلك على أُسسٍ قويمةٍ من التقوى والصلاح والأخلاق الحسنة. وإلاّ-وهنا الخطورة- فمن يُعَلِّم الناس الخير ولا يعمل به، فسيكون كالأرض الصلبة التي أمسكت الماء، فنفع الله بها الناس، لكن هي ما انتفعت، فهي كالشمعة تحرق نفسها لتضيء للناس.
الخامسة: (الأقربون أولى بالمعروف)، مقولة مشهورة، وإن كانت ليست بحديث، إلاّ أنها مشهورة على كل لسان، ويصدِّقها قول الله تعالى: (وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)، أين معناها في واقع دعوتك؟! إنَّ أهل بيتك وقرابتك في حاجة إلى دعوتك، وهم معينك الأول على الثبات على الحق، وهم أولى بالخير الذي تحملين، والنصح الذي تبذرين، وليس من اللائق بك أن تروي ظمأ الأخريات، وتشبعي جائعهم، وترسمي السرور على محياهم، وأقرب الناس إليك، يشتكون جوعاً وظمأ وحزناً.
إذا كان ذو القربى لديكَ مبعداً ونال الذي يهوى لديكَ بعيدُ
تفرّقَ عنكَ الأقربون لشأنهم وأشفقْتَ أن تبقى وأنت وحيدُ
وأصبحتَ بين الحمد والذم واقفاً فيا ليتَ شعري أيَّ ذاك تريدُ
إن المجتمع يتألَف من أسرنا، فإن أصلح كل منا بيته، أشرق المجتمع سعادة وهناءً، اجعلي لأخواتك، ووالديك، وأولادك، ومن هم حولك، جزءاً من وقتك، ابذري غِراس الإيمان فيهم، أقيمي بين الفينة والأخرى برنامجاً دعوياً متخصِّصاً، أكِّدي فيهم مراقبة الله تعالى، واستشعار عظمته سبحانه، والعيش في ظلال القرآن الكريم.
ذكِّريهم بالواجبات، وشجِعيهم على المسنونات والمستحبات، وتألَّفي قلوبهم بما يحبون من صِلة وهدية وابتسامة وتعاون وكلمة طيبة.
الأخيرة: إنَّكِ لن تستطيعي النجاح في مسارك هذا إلاّ بصدق الإيمان بالله، وجميل التوكل عليه سبحانه، وتفويض الأمر إليه تعالى، واعلمي أن من أسلحتك؛ المحافظة على الأذكار، وكثرة الدعاء، والقيام بالفرائض والسنن الرواتب، فما دُمت قريبة من الله، فالله ناصرك ومعينك وهاديك لكل خير، وفاتح لك أبواب فضله ورحمته وتوفيقه، بل وسوف تشعرين بانشراح في نفسك، وطُمأنينة في قلبك، ومحبة يكتبها الله لك في قلوب عباده.
فليرضَ عني الناس أو فليسخطوا أنا لم أعدْ أسعى لغيرِ رضاكْ
ذقتُ الهوى مراً ولم أذقِ الهوى يا ربّ حلواً قبل أن أهواكْ
يقول ابن القيم -رحمه الله-: "وشهدت شيخ الإسلام -قدس الله روحه- إذا أعيته المسائل، واستعصت عليه فر منها إلى التوبة والاستغفار، والاستعانة بالله واللجأ إليه، واستنزال الصواب من عنده، والاستفتاح من خزائن رحمته، فقلما يلبث المدد الإلهي أن يتتابع عليه مدًا، وتزدلف الفتوحات الإلهية إليه".