[center]الذئب الهرم :
للشاعر الألماني : ليسنغ
لما هرم الذئب الشرير ، و بلغ أرذل العمر ، صحت عزيمة النفاق فيه على العيش مع الرعيان في سلام . فخرج إلى الراعي الذي تجاور قطعانه جحره و قال له : أيها الراعي إنك تسميني لصا متعطشا للدماء ، و إن كنت في الحقيقة غير ذلك . صحيح أنه لا معدى لي عن اللجوء إلى غنمك إذا جعت ، ذلك أن الجوع مؤلم ، فقني شر الجوع ، أشبعني تسلم و لا ترمني مكروها ، فإني ـ في الحق ـ أودع مخلوق على وجه الأرض أودع مخلوقا خلقا حين أشبع . قال الراعي : حين تشبع ؟ ربما . لكن متى كنت شبعان ؟ إنك و البخل صنوان لا يشبعان ، فامض و جاء الذئب المنهور إلى راعي ثان و قال له : إنك تعلم ، أيها الراعي ، أني استطع أن أنكبك في عامك في بضعة من خرفانك . فإذا خصصتني في ألعام بستة منها .. قنعت ، و استطعت أن تنام ملء جفونك ، و استغنيت مطمئنا عن كلابك قال الراعي : ستة خراف ؟ إن هذا لقطيع كامل . فقال الذئب : أكتفي بخمسة من أجلك . قال الراعي : خمسة إنك تهذي. فقال الذئب : و لا أربعة ؟ فهز الراعي رأسه ساخرا .
فقال الذئب : ثلاثة ؟ اثنان ؟ و كان الجواب الأخير : و لا واحدة فإن من الحمق أن أجعل لعدوي جعلا علي ، و أنا قادر باليقظة أن أتقي شره قال الذئب في نفسه الثالثة ثابتة . و قصد راعي ثالث و قال له : أكاد أكون عندكم يا معشر الرعاة ، الوحش الذي لا حد لضراوته و لا وزن لضميره، لكني سأثبت لك أنت مبلغ ظلمكم إياي.
أعطني خروفا واحدا كل عام ترعى قطعانك ، و هي آمنة مطمئنة ، في تلك الغابة التي لا يذهب بأمنها سوى .. خروفا وحدا .. ما أتفهه من أجر! هل يمكن أن أكون أكرم من ذلك و أكثر في المساومة تجردا عن المصلحة ؟ أنصحك أيها الراعي ، فعلام الضحك إذن ؟ فأجاب الراعي: لا أضحك على شيء ، لكن : هلا خبرتني كم عمرك يا صديقي ؟ قال الذئب : و ماذا يعنيك من عمري ؟ إني استطيع في أي عمر أن أنكبك في أعز حملانك . قال الراعي : كفكف من غربك أيها الذئب الهرم ، فأنه ليؤسفني أن تتقدم باقتراحك بعد فوات الأوان ببضع سنوات ، و فمك الأدرد شاهد على ذلك . إنك تصطنع التجرد و الزهد لتحصيل القوت بأهون خطر ، و أدنى جهد . و فكر الذئب : لا بد أن أفرغ قصار أي و ألا أدخر في سبيل الوصول إلى غرضي و سعا .
و أتى الراعي الرابع و قال له : أيها الراعي ،كيف ترى فروتي ؟
قال الراعي : فروتك ، أريني ، إنها جميلة ، و لا بد أن الكلاب لم تظفر بك كثير ، قال الذئب : إذا فاسمع أيها الراعي ،لقد هرمت ،
و لن استطيع بعد اليوم سعيا ، فأطعمني حتى أموت ، أهب لك بعد موتي فروتي . قال الراعي : يا عجبا ! أنت تلجأ إلى حيل الطاعنين في السن من البخلاء ، كلا ، فما أرى فروتك ستكلفني في النهاية أضعاف أضعاف ما تستحق . إذا كنت جادا في ما تعنيه من الرغبة في إهداء فروتك ، فهبها الآن في الحال . و طلب الراعي هراوته فلاذ الذئب بالفرار .و عوى الذئب :يا لهؤلاء القساة . وأخذ منه الغضب مأخذه ، و لم يعرف غبأطايظه حدا . و قال : هل أصبر حتى أموت ؟ بل سأموت عدوا لهم ما داموا يكرهون الإصلاح . و عدا يطلب بيوتهم ، فسطا عليها ، و فتك بأطفالها ، و لم يتمكن الرعاة منه إلا بعد جهد جهيد . عندئذ قال الحكماء منهم : لقد أخطأنا إذ أحرجنا الذئب هذا الحرج الشديد فحرمناه كل السبل للإصلاح ، و أحبطنا كل محاولته ، و إن جاءت متكافئة ، و بعد الأوان .
للشاعر الألماني : ليسنغ
لما هرم الذئب الشرير ، و بلغ أرذل العمر ، صحت عزيمة النفاق فيه على العيش مع الرعيان في سلام . فخرج إلى الراعي الذي تجاور قطعانه جحره و قال له : أيها الراعي إنك تسميني لصا متعطشا للدماء ، و إن كنت في الحقيقة غير ذلك . صحيح أنه لا معدى لي عن اللجوء إلى غنمك إذا جعت ، ذلك أن الجوع مؤلم ، فقني شر الجوع ، أشبعني تسلم و لا ترمني مكروها ، فإني ـ في الحق ـ أودع مخلوق على وجه الأرض أودع مخلوقا خلقا حين أشبع . قال الراعي : حين تشبع ؟ ربما . لكن متى كنت شبعان ؟ إنك و البخل صنوان لا يشبعان ، فامض و جاء الذئب المنهور إلى راعي ثان و قال له : إنك تعلم ، أيها الراعي ، أني استطع أن أنكبك في عامك في بضعة من خرفانك . فإذا خصصتني في ألعام بستة منها .. قنعت ، و استطعت أن تنام ملء جفونك ، و استغنيت مطمئنا عن كلابك قال الراعي : ستة خراف ؟ إن هذا لقطيع كامل . فقال الذئب : أكتفي بخمسة من أجلك . قال الراعي : خمسة إنك تهذي. فقال الذئب : و لا أربعة ؟ فهز الراعي رأسه ساخرا .
فقال الذئب : ثلاثة ؟ اثنان ؟ و كان الجواب الأخير : و لا واحدة فإن من الحمق أن أجعل لعدوي جعلا علي ، و أنا قادر باليقظة أن أتقي شره قال الذئب في نفسه الثالثة ثابتة . و قصد راعي ثالث و قال له : أكاد أكون عندكم يا معشر الرعاة ، الوحش الذي لا حد لضراوته و لا وزن لضميره، لكني سأثبت لك أنت مبلغ ظلمكم إياي.
أعطني خروفا واحدا كل عام ترعى قطعانك ، و هي آمنة مطمئنة ، في تلك الغابة التي لا يذهب بأمنها سوى .. خروفا وحدا .. ما أتفهه من أجر! هل يمكن أن أكون أكرم من ذلك و أكثر في المساومة تجردا عن المصلحة ؟ أنصحك أيها الراعي ، فعلام الضحك إذن ؟ فأجاب الراعي: لا أضحك على شيء ، لكن : هلا خبرتني كم عمرك يا صديقي ؟ قال الذئب : و ماذا يعنيك من عمري ؟ إني استطيع في أي عمر أن أنكبك في أعز حملانك . قال الراعي : كفكف من غربك أيها الذئب الهرم ، فأنه ليؤسفني أن تتقدم باقتراحك بعد فوات الأوان ببضع سنوات ، و فمك الأدرد شاهد على ذلك . إنك تصطنع التجرد و الزهد لتحصيل القوت بأهون خطر ، و أدنى جهد . و فكر الذئب : لا بد أن أفرغ قصار أي و ألا أدخر في سبيل الوصول إلى غرضي و سعا .
و أتى الراعي الرابع و قال له : أيها الراعي ،كيف ترى فروتي ؟
قال الراعي : فروتك ، أريني ، إنها جميلة ، و لا بد أن الكلاب لم تظفر بك كثير ، قال الذئب : إذا فاسمع أيها الراعي ،لقد هرمت ،
و لن استطيع بعد اليوم سعيا ، فأطعمني حتى أموت ، أهب لك بعد موتي فروتي . قال الراعي : يا عجبا ! أنت تلجأ إلى حيل الطاعنين في السن من البخلاء ، كلا ، فما أرى فروتك ستكلفني في النهاية أضعاف أضعاف ما تستحق . إذا كنت جادا في ما تعنيه من الرغبة في إهداء فروتك ، فهبها الآن في الحال . و طلب الراعي هراوته فلاذ الذئب بالفرار .و عوى الذئب :يا لهؤلاء القساة . وأخذ منه الغضب مأخذه ، و لم يعرف غبأطايظه حدا . و قال : هل أصبر حتى أموت ؟ بل سأموت عدوا لهم ما داموا يكرهون الإصلاح . و عدا يطلب بيوتهم ، فسطا عليها ، و فتك بأطفالها ، و لم يتمكن الرعاة منه إلا بعد جهد جهيد . عندئذ قال الحكماء منهم : لقد أخطأنا إذ أحرجنا الذئب هذا الحرج الشديد فحرمناه كل السبل للإصلاح ، و أحبطنا كل محاولته ، و إن جاءت متكافئة ، و بعد الأوان .